فصل: فصل: (نص التوراة واضح):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (نسخة منقحة)



.فصل: النصارى آمنوا بمسيح لا وجود له واليهود ينتظرون المسيح الدجال:

وفي قول المسيح في هذه البشارة (وليس لي من الأمر شيء) إشارة إلى التوحيد وأن الأمر كله لله، فتضمنت هذه البشارة أصلي الدين: إثبات التوحيد، وإثبات النبوة وهذا الذي قاله المسيح مطابق لما جاء به أخوه محمد بن عبد الله عن ربه من قوله له (ليس لك من الأمر شيء) فمن تأمل حال الرسولين الكريمين ودعوتهما وجدهما متوافقين متطابقين حذو القذة بالقذة، وأنه لا يمكن التصديق بأحدهما مع التكذيب بالآخر البتة، وأن المكذب بمحمد صلى الله عليه وسلم أشد تكذيبا للمسيح الذي هو المسيح ابن مريم عبد الله ورسوله؛ وإن آمن بمسيح لا حقيقة له ولا وجود وهو أبطل الباطل، وقد قال يوحنا في كتاب أخبار الحواريين وهو يسمونه إفراكيس: (أحبابي إياكم أن تؤمنوا بكل روح، لكن ميزوا الأرواح التي من عند الله من غيرها واعلموا أن كل روح تؤمن بأن يسوع المسيح قد جاء وكان جسدانيا فهي من عند الله وكل روح لا تؤمن بأن المسيح قد جاء وكان جسدانيا فليست من عند الله بل من المسيح الكذاب الذي هو الآن في العالم) فالمسلمون يؤمنون بالمسيح الصادق الذي جاء من عند الله بالهدى ودين الحق هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، والنصارى إنما تؤمن بمسيح دعى إلى عبادة نفسه وأمه وأنه ثالث ثلاثة وأنه الله وابن الله، وهذا هو أخو المسيح الكذاب لو كان له وجود، فإن المسيح الكذاب يزعم أنه الله، والنصارى في الحقيقة اتباع هذا المسيح، كما أن اليهود إنما ينتظرون خروجه، وهم يزعمون أنهم ينتظرون النبي الذي بشروا به، فعوضهم الشيطان بعد مجيئه من الإيمان به انتظارا للمسيح الدجال. وهكذا كل من أعرض عن الحق يعوض عنه بالباطل.

.ما عوض به إبليس والنصارى وكل مستكبر عن حق:

وأصل هذا أن إبليس لما أعرض عن السجود لآدم كبرا أن يخضع له تعوض بذلك ذل القيادة لكل فاسق ومجرم من بنيه، فلا بتلك النخوة ولا بهذه الحرفة، والنصارى لما أنفوا أن يكون المسيح عبد لله تعوضوا من هذه الأنفة بأن رضوا بجعله مصفعة اليهود ومصلوبهم الذي يسخرون منه ويهزؤن به، ثم عقدوا له تاجا من الشوك بدل تاج الملك، وساقوه في حبل إلى خشبة الصلب يصفقون حوله ويرقصون. فلا بتلك الأنفة له من عبودية الله ولا بهذه النسبة له إلى أعظم الذل والضيق والقهر، وكذلك أنفوا أن يكون للتبرك والراهب زوجة أو ولد وجعلوا لله رب العالمين الولد، وكذلك أنفوا أن يعبدوا الله وحده لا شريك له ويطيعوا عبده ورسوله ثم رضوا بعبادة الصليب والصور المصنوعة بالأيدي في الحيطان وطاعة كل من يحرم عليهم ما شاء ويحلل لهم ما شاء ويشرع لهم من الدين ما شاء من تلقاء نفسه. ونظير هذا التعويض أنفة الجهمية أن يكن الله سبحانه فوق سماواته على عرشه بائنا من خلقه حتى لا يكون محصورا بزعمهم في جهة معينة ثم قالوا هو في كل مكان بذاته. فحصروه في الآبار والسجون والأنجاس والأخباث، وعوضوه بهذه الأمكنة عن عرشه المجيد. فليتأمل العاقل لعب الشيطان بعقول هذا الخلق، وضحكه عليهم، واستهزائه بهم!!.
فصل:
وقول المسيح: (إذا انطلقت أرسلته إليكم) معناه أني أرسله بدعاء ربي وطلبي منه أن يرسله، كما يطلب الطالب من ولي الأمر أن يرسل رسولا أو يولي نائبا أو يعطي أحدا، فيقول أنا أرسلت هذا ووليته وأعطيته. يعني أني كنت سببا في ذلك؛ فإن الله سبحانه إذا قضى أن يكون الشيء فإنه يقدر له أسبابا يكون بها، ومن تلك الأسباب دعاء بعض عباده بأن يفعل ذلك فيكون في ذلك من النعمة إجابة دعائه مضافا إلى نعمته بإيجاد ما قضى كونه، ومحمد صلى الله عليه وسلم قد دعا به الخليل أبوه فقال: {رَبَنا وَابعَث فيهِم رَسولاً مِنهُم يَتلو عَلَيهِم آَياتِكَ وَيُعَلِِمُهُم الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَيُزكيهِم إنّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيم} مع أن الله سبحانه قد قضى بإرساله وأعلن باسمه قبل ذلك، كما قيل له: يا رسول الله: متى كنت نبيا؟ قال «وآدم بين الروح والجسد» وقال: «إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وأن آدم لمنجدل في طينته» وهذا كما قضى الله سبحانه نصره يوم بدر ومن أسباب ذلك استعانته بربه ودعاؤه وابتهاله بالنصر، وكذلك ما يقضيه من إنزال الغيث قد يجعله بسبب ابتهال عباده ودعائهم وتضرعهم إليه، وكذلك ما يقضيه من مغفرة ورحمة وهداية ونقصر قد يسبب له أدعية يحصل بها ممن ينال ذلك أو من غيره، فلا يمتنع أن يكون المسيح سال ربه بعد صعوده أن يرسل أخاه محمدا إلى العالم، ويكون ذلك من أسباب الرسالة المضافة إلى دعوة أبيه إبراهيم، لكن إبراهيم سأل ربه أن يرسله في الدنيا فلذلك ذكره الله سبحانه، وأما المسيح فإنما سأله بعد رفعه وصعوده إلى السماء.

.فصل: (تطابق قول المسيح وأخيه محمد):

وتأمل قول المسيح (إني لست أدعكم أيتاما لأني سآتيكم عن قريب) كيف هو مطابق لقول أخيه محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليهما «ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، وإماما مقسطا، فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية» وأوصى أمته بأن «يقرئه السلام منه من لقيه منهم» وفي حديث آخر: «كيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها»؟!.

.فصل: (نص التوراة واضح):

وقد تقدم نص التوراة (تجلى الله من طور سينا، وأشرف من ساعير، واستعلن من جبال فاران) قال علماء الإسلام- وهذا لفظ أبي محمد بن قتيبة- ليس بهذا خفاء على من تدبره ولا غموض لأن مجيء الله من طور سينا إنزاله التوراة على موسى من طور سينا كالذي هو عند أهل الكتاب وعندنا، وكذلك يجب أن يكون (إشراقه من ساعير) إنزاله الإنجيل على المسيح، وكما وجب أن يكون إشراقه من ساعير بالمسيح فكذلك يجب أن يكون (استعلانه من جبال فاران) إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، وجبال فاران هي جبال مكة، فإن ادعوا أنها غير مكة فليس ينكر ذلك من تحريهم وأفكهم، قلنا أليس في التوراة أن إبراهيم أسكن هاجر وإسماعيل فاران؟! وقلنا دلونا على الموضع الذي استعلن الله منه واسمه فاران، والنبي الذي أنزل عليه كتابا بعد المسيح؟! أو ليس استعلن وعلن بمعنى واحد، وهما ظهر وانكشف فهل تعلمون دينا ظهر ظهور دين الإسلام وفشا في مشارق الأرض ومغاربها فشوه؟! قال علماء الإسلام (وساعير) جبال بالشام منه ظهور نبوة المسيح، وإلى جانبه قرية بيت لحم القرية التي ولد فيها المسيح تسمى اليوم (ساعير) ولها جبال تسمى ساعير، وفي التوراة أن نسل العيص كانوا سكانا بساعير، وأمر الله موسى أن لا يؤذيهم. قال شيخ الإسلام وعلى هذا فيكون قد ذكر الجبال الثلاثة (حراء) الذي ليس حول مكة أعلى منه، وفيه ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول الوحي عليه، وحوله جبال كثيرة، وذلك المكان يسمى فاران إلى هذا اليوم، والبرية التي بين مكة وطور سينا تسمى برية فاران، ولا يمكن أحدا أن يدعى أنه بعد المسيح نزل كتاب في شيء من تلك الأرض ولا بعث نبي، فعلم أنه ليس المراد باستعلانه من جبال فاران إلا إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، وهو سبحانه ذكر هذا في التوراة على ترتيب الزمان، فذكر أنزال التوراة ثم الإنجيل، ثم القرآن وهذه الكتب نور الله وهداه، وقال في الأول: (جاء وظهر) وفي الثاني (أشرق) وفي الثالث (استعلن) فكان مجيء التوراة مثل طلوع الفجر، ونزول الإنجيل مثل إشراق الشمس، ونزول القرآن بمنزلة ظهور الشمس في السماء، ولهذا قال (واستعلن من جبال فاران) فإن محمدا صلى الله عليه وسلم ظهر به نور الله وهداه في مشرق الأرض ومغربها أعظم مما ظهر بالكتابين المتقدمين كما يظهر نور الشمس في مشارق الأرض ومغاربها إذا استعلنت وتوسطت السماء؛ ولهذا سماه الله (سراجا منيرا) وسمى الشمس (سراجا وهاجا) والخلق يحتاجون إلى السراج المنير أعظم من حاجتهم إلى السراج الوهاج؛ فإن هذا يحتاجون إليه في وقت دون وقت، وأما السراج المنير فيحتاجون غليه كل وقت وفي كل مكان ليلا ونهارا سرا وعلانية، وقد ذكر الله تعالى هذه الأماكن الثلاثة في قوله: {والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين} فالتين والزيتون هو في الأرض المقدسة التي بعث منها المسيح، وأنزل عليه فيها الإنجيل {وطور سينين} وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليما وناداه من واديه الأيمن من البقعة المباركة من الشجرة التي فيه، وأقسم (بالبلد الأمين) وهو مكة التي أسكن إبراهيم وإسماعيل وأمه فيه وهو فاران كما تقدم، ولما كان ما في التوراة خبرا عن ذلك أخبر به على الترتيب الزماني، فقدم الأسبق، ثم الذي يليه، وأما القرآن فإنه أقسم بها تعظيما لشأنها وإظهارا لقدرته وآياته وكتبه ورسله، فأقسم بها على وجه التدريج درجة بعد درجة، فبدأ بالعالي، ثم انتقل إلى أعلا منه، ثم أعلا منهما فإن أشرف الكتب القرآن، ثم التوراة، ثم الإنجيل، وكذلك الأنبياء.

.فصل:

وهذا الذي ذكره ابن قتيبة وغيره من علماء المسلمين. من تأمل التوراة وجدها ناطقة به صريحة فيه فإن فيها (وعد إبراهيم فأخذ الغلام وأخذ خبزا وسقاء من ماء ودفعه إلى هاجر وحمله عليها، وقال لها اذهبي، فانطلقت هاجر، ونفذ الماء الذي كان معها، فطرحت الغلام تحت شجرة، وجلست مقابلته على مقدار رمية الحجر لئلا تبصر الغلام حين يموت، ورفعت صوتها بالبكاء، وسمع الله صوت الغلام حيث هو، فقال لها الملك: قومي فاحملي الغلام وشدي يدك به فإني جاعله لأمة عظيمة، وفتح الله عينيها فبصرت ببئر ماء فسقت الغلام وملأت سقاها، وكان الله مع الغلام فتربي وسكن في برية فاران فهذا نص التوراة أن إسماعيل ربى وسكن في برية فاران بعد أن كاد يموت من العطش وأن الله سقاه من بئر ماء) وقد علم بالتواتر واتفاق الأمم أن إسماعيل إنما ربي بمكة، وهو وأبوه إبراهيم بنيا البيت، فعلم قطعا أن (فاران) هي أرض مكة.

.فصل: (مثل هذه البشارة من كلام شمعون فيما قبلوه):

ومثل هذه البشارة من كلام شمعون فيما قبلوه ورضوا ترجمته (جاء الله من جبال فاران، وامتلأت السموات والأرض من تسبيحه وتسبيح أمته) ولم يخرج أحد من جبال فاران التي امتلأت السموات والأرض من تسبيحه وتسبيح أمته سوى محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن المسيح لم يكن بأرض فاران البتة، وموسى إنما كلم من الطور والطور ليس من أرض فاران، وإن كانت البرية التي بين مكة والطور تسمى بربه تسمى فاران فلم ينزل الله فيها التوراة، وبشارة التوراة قد تقدمت بجبل الطور، وبشارة الإنجيل بجبل ساعير.